بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله عز و جل في سورة الشعراء: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22).
قال القاسمي في محاسن التأويل:
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ ) إبطال لمنته عليه في التربية ، ببيان أنها في الحقيقة نقمة . لأنه كان اتخذ بني إسرائيل ؛ عبيداً مسخرين في شؤونه ، مذللين لأموره ، مقهورين لعسفه . وموسى عليه السلام ، وإن لم ينله من ذلك ما نالهم ، إلا أنه لما كان منهم ، فكأنه وصل إليه ، وحلَّ به ، كما قيل : وظلم الجار إذلال المجير أي : لا يفي إحسانك إلى رجل منهم بما أسأت إلى مجموعهم ، وما أنا إلا عضو منهم.اهـ
فليتأمّل أهل العلم هذه الآية، و لا يجعلوا إكرام سلاطين الجور لهم سبباً إلى السكوت عن انحرافهم و ظلمهم، فكيف إذا قاموا بتزكيتهم و مدحهم و الثناء عليهم، مقابل عطاياهم لهم، و الظهور معهم في بعض الاحتفالات و الأعياد، و إنما يجب عليهم أن يُنزلوا أنفسهم منزلة باقي أفراد أمتهم، و ما يعانوه من عَسفٍ، و استعباد، و سوء معاملة،فالإحسان إلى فئة قليلة، لا يوازي الإساءة إلى مجموع الأمة.
قال الإمام سفيان بن سعيد الثوري : ليس أخاف إهانتهم ، إنما أخاف كرامتهم ، فلا أرى سيئتهم سيئة . لم أر للسلطان مثلا إلا مثلا ضرب على لسان الثعلب ، قال : عرفت للكلب نيفا وسبعين دستانا - حيلة - ليس منها دستان خيرا من أن لا أرى الكلب ولا يراني.سير أعلام النبلاء (7/262).
و قال الذهبي في السير (7/125) في ترجمة الأوزاعي: قد كان عبد الله بن علي ملكاً جبّاراً، سفّاكاً للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق كما ترى، لا كخَلق من علماء السوء الذين يحسّنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسْف، ويقلبون لهم الباطل حقا - قاتلهم الله - أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق .
للامانة العلمية الصدر منتديات الدرر الشامية