هذا الكتاب
يلخص هذا الكتاب الرؤية النبوية والإسلامية لغير المسلمين، فهي رؤية لا تفرق بين جنس ولون ودين، وإنها ترى الإنسان أكرم المخلوقات على الأرض، فتتعامل معه بناء على هذا التصور الجمالي الراقي، الذي يضع الإنسان في مكانه اللائق به، وبين جنبات هذا الكتاب يقطف القارئ أزهار التعامل النبوي مع المغايرين في الدين والاعتقاد، ويرى جمال هذا الهدي في سلوكه وتشريعه للمخالفين، بل ويلمس برَّه وعدله مع المعادين، ولا يفرغنَّ القارئ لهذا الكتاب إلا وقد ارتوى من الرحمة المهداة كل عذب فرات.
ملخص الكتاب
يتناول هذا الكتاب تعامل النبي مع غير المسلمين من المسالمين المعاهدين، وهو بذلك لا يتناول الحديث عن أعداء النبي أو الأسرى؛ ذلك لأنهم ليسوا أفرادًا في المجتمع المسلم.
ويا ليت المسلمين يدركون قيمة ما في أيديهم من كنوز فيدرسونها ويُطبِّقونها، ثم ينقلونها إلى مشارق الأرض ومغاربها؛ ليسعدوا وتسعد بهم البشرية، وليكونوا سببًا في هداية الناس لرب العالمين.
والكتاب يتكوَّن من مقدمة وستة فصول وخاتمة، وقد تناول الدكتور راغب السرجاني في الفصل الأول نظرة الإسلام إلى النفس الإنسانية؛ وذلك ليدرك العالم بأسره كيف تناول المنهج الإسلامي قضية غير المسلمين وكيفية التعامل معهم.
فالنفس الإنسانية بصفة عامة مُكَرَّمَةٌ ومُعَظَّمَة.. وهذا الأمر على إطلاقه، وليس فيه استثناء بسبب لون أو جنس أو دين، قال تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].
وهذا التكريم عام وشامل، وهو يلقي بظلاله على المسلمين وغير المسلمين؛ فالجميع يُحمل في البر والبحر، والجميع يُرزق من الطيبات، والجميع مُفضَّلٌ على كثيرٍ مِن خلْق الله .
وأما عن الفصل الثاني فهو يدور في مجمله على مسألة الاعتراف بغير المسلمين، حيث يدَّعي بعض المتحاملين على الإسلام والمسلمين أن المسلمين لا يعترفون بالمخالفين لهم في العقيدة، ولا يقرُّون بوجود اليهود والنصارى وغيرهم كطوائف لها كينونة تكفل لها البقاء إلى جوار المسلمين. وقد قام الدكتور راغب السرجاني في هذا الفصل بدراسة سريعة لأحداث السيرة النبوية؛ ليستشفَّ منها الإجابة على هذه الأسئلة، وذلك من خلال مبحثين: المبحث الأول: اعتراف الرسول بغير المسلمين، المبحث الثاني: هل يعترف غير المسلمين بالمسلمين؟!
إن الاعتراف بالآخرين من صلب العقيدة الإسلامية؛ إذ إننا لا نقبل بحال من الأحوال أن نُكرِه أحدًا على تغيير دينه، وكل ما نرجوه من العالم أن يقرأ عن الإسلام من مصادره الصحيحة قبل أن يُصدر الأحكام على شرع الله . وفوق كل ما سبق.. فهل وقف تعامل رسول الله مع الآخرين المخالفين له عند حد الاعتراف فقط؟! لقد تجاوز رسول الله هذه المرحلة إلى ما بعدها وما بعدها.. وهو ما استعرضه الدكتور راغب السرجاني في الفصل الثالث من الكتاب، حيث تناول طرفًا -ليس فقط من اعترافه بغير المسلمين- ولكن أيضًا من احترامه لهم وتقديره لمكانتهم، وذلك من خلال أربعة مباحث: المبحث الأول: جمال الحوار، المبحث الثاني: منهج التبشير في حياته ، المبحث الثالث: مدح المخالفين، المبحث الرابع: احترام الرسل والزعماء (البروتوكول النبوي).
فهل هناك مثل هذا الرُّقِيِّ في التعامل؟! وهل هناك من يتَّبع هذه القيم في علاقاته مع المخالف له؟! وإن شئتم المقارنة فعودوا لما فعله الصليبيون عند سقوط الأندلس، وما فعله الرومان عند سقوط أورشليم في أيديهم...
وبضدها تتميز الأشياء!!
وفي دراسة حول سيرة النبي ، والمبادئ التي قامت على أساسها الشريعة قام بها الدكتور نظمي لوقا، فكتب هذه الكلمات: "ما أرى شريعة أدعى للإنصاف ولا شريعة أنفى للإجحاف والعصبية من شريعة تقول: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا} [المائدة: 8].
فأي إنسان بعد هذا يُكْرِمُ نفسه وهو يدينها بمبدأ دون هذا المبدأ، أو يأخذها بديدن أقل منه تساميًا، واستقامة…؟!".
فهذه شهادة باحث نصراني، وما أكثر الشهادات التي على شاكلتها! فهذا أمر لا يُغفل في شريعتنا، ولا في سيرة نبينا ، وهو أمر العدل مع غير المسلمين، وقد تناوله الدكتور راغب السرجاني بشكل موسَّع ومفصل في الفصل الرابع من الكتاب؛ ولأنه من الصعب أن تُحْصَى المواقف التي ظهر فيها عدله مع غير المسلمين في بحث واحد؛ فقد تم تناول الفصل من خلال سبعة مباحث: المبحث الأول: العدل في الشريعة الإسلامية، المبحث الثاني: العدل في المعاملات المالية، المبحث الثالث: العدل في القضاء، المبحث الرابع: العدل مع المخطئين في حقه ، المبحث الخامس: الحكم بالبيِّنة، المبحث السادس: ولا تزر وازرة وزر أخرى، المبحث السابع: العدل مع شدة الكراهية. وكل ذلك مدعومًا بالمواقف العملية من حياة رسول الله .
إن العالم -بشتى مرجعياته وعقائده- ليحتاج حقيقةً إلى هذا المعين الصافي من أخلاق النبوة، ويوم يعرف الناس هذه الأخلاق ستتغير -لا محالة- الكثير والكثير من أوضاع الأرض، وستفتح طرق واسعة للخروج من كثير من المشكلات والأزمات.
تُرَى ماذا يكون تعامل قُوَّاد العالم في التاريخ والواقع مع مَنْ يدبِّرون مؤامراتٍ لقتلهم؟! وماذا سيكون ردُّ فعل هؤلاء الزعماء عند مقتل أصحابهم وأحبابهم؟!!
عند القياس سيزول الالتباس!!
وعند المقارنة ستتضح المفارقة!!
إنه لا ينبغي لأحد من أهل الأرض -كائنًا من كان- أن يقارن أخلاقَ أحدٍ بأخلاق رسول الله ؛ فأخلاقُ عمومِ البشرِ شيءٌ، وأخلاقُ النبوةِ شيءٌ آخر تمامًا..
تتوق أحلام العقلاء من الناس أن يتعايشوا في سلام وتفاهم مع المخالفين لهم في العقيدة والجنس والأفكار، وقد تتطور هذه الأحلام والآمال فتطلب احترامًا متبادلاً بين الأطراف المختلفة، أو تطلب عدلاً في التعامل؛ فلا ظلم ولا عدوان.
وقد يحلم القليل بما هو أسمى وأرقى، وهو أن يصل التعامل -ولو في موقف من المواقف- إلى درجة الألفة والإحسان؛ فتتبادل الابتسامات -وأحيانًا الهدايا- ويسود جوٌّ من الهدوء والأمان.
لكن أن يصبح الإحسان إلى المخالفين، والبرِّ بالمعارضين، قانونًا أصيلاً يُتَّبَعُ في غالب مظاهر الحياة، فهذا ما لا يخطر على بال أحد!!
هذا هو الإسلام الذي لا يعرفه كثير من العالمين، بل قد لا يعرفه كثير من المسلمين..!!
حول المعاني السابقة كان تناول الدكتور راغب السرجاني في الفصل الخامس من الكتاب، حول هذا البِرّ النبوي بغير المسلمين، وذلك من خلال مباحث ثلاثة: المبحث الأول: البرُّ بغير المسلمين منهج إلهي، المبحث الثاني: برُّه بغير المسلمين، المبحث الثالث: البِرُّ بمن آذاه من غير المسلمين.
ألا ما أحكمه من منهج!! ينبع جمال المنهج الإلهي في البِرِّ بغير المسلمين من كونه ليس قانونًا بشريًّا يصطلح الناس على إقراره أو إلغائه، ولكن من كونه قانونًا إلهيًّا سماويًّا، يتعبد المسلمون لربهم بتطبيقه.. يقول تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
ألا ما أعظمه من إلهٍ! وما أرحمه من ربٍّ!
إنه I يوصي المؤمنين أن يَبَرُّوا طائفة من البشر رفضت دعوة الله ، وخالفت نبيه ، واتبعت منهجًا مخالفًا لما أراده سبحانه!!
والمسلمون يتقرَّبون إلى ربهم ببرِّ هؤلاء المخالفين لهم في العقيدة، ما داموا لم يحاربوهم أو يظلموهم!!
وإذا كانت الصور السابقة من صور التعامل نادرة، فإن الصورة التالية تكاد تكون مستحيلة!!
في الفصل السادس والأخير من الكتاب تناول الدكتور راغب السرجاني بِرَّهُ مع زعماء الأعداء الذين قاوموه وحاربوه سنواتٍ عديدة.. بِرَّهُ مع أولئك الذين لم يكتفوا بالسخرية منه والكيد له، بل حفَّزوا الآخرين على فعل ذلك، وكانوا في فترة من فترات حياتهم أكابر المجرمين، وقادة الضالين.
وذلك من خلال مبحثين: المبحث الأول: بِرُّهُ مع زعماء مكة، المبحث الثاني: برُّه مع زعماء القبائل الأخرى.
وختامًا.. نوجه نداءنا إلى كل غير المسلمين، فنقول لهم:
هذا هو ديننا..
هل هناك ما يدعو إلى الخوف من تطبيق أحكامه؟!!
إن بنود التشريع الإسلامي والتطبيق الواقعي لها ليشهدان أن غير المسلمين ما وجدوا في العالم كله ما هو أعظم ولا أعدل ولا أبرُّ من التشريع الإسلامي.. إن نصارى ويهود العالم لم ينعموا بعدلٍ مثلما نعموا به في ظل الحكم الإسلامي.
إننا لا نجد في تاريخنا -على اتساعه ورحابته- ما يشير إلى اضطهاد أو ظلم أو إجحاف لطوائف غير المسلمين في المجتمع المسلم.
إننا -إلى زماننا الحالي- ما زلنا نتوارث قواعد البرِّ في التعامل، والعدل في الحكم، والاحترام في العلاقات مع غير المسلمين، أيًّا كانوا في مجتمعاتنا.
وإذا كنتم ترون ظلمًا حقيقيًّا من حاكمٍ من الحكام، أو قاضٍ من القضاة في مرحلة ما من مراحل التاريخ، أو في مشهد من مشاهد الواقع، فإن هذا -ولا شكَّ- على سبيل الاستثناء، كما أنه -ولا شكَّ أيضًا- ظلم واقع على كل الأطراف، بما فيها الطرف المسلم!! إن الظالم لا يفرِّق في ظلمه بين مسلم وغير مسلم، والعادل كذلك لا يُفَرِّقُ في عدله بين مسلم وغير مسلم.
أيها الناس، يا من تعيشون في مشارق الأرض ومغاربها.. إنه ليس في مقدورنا ولا من وظيفتنا أن نجعلكم مسلمين، إنما الذي نملكه وأُمِرْنَا به أن نصل برسالتنا إليكم بيضاء نقيَّة، ثم نترك لكم الأمر في حرية تامة.. {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا} [الإسراء: 107].
ونحن على يقين أن هناك يومًا سيحكم فيه ربُّنا بيننا بالحق، وسيعلم الجميع -حينئذٍ- مَن الذي أصاب، ومن الذي أخطأ، ومن الذي اتَّبع الهُدى، ومن كان في ضلال مبين.. {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93].